﴿وإذا الموؤدة﴾ أي: الجارية المدفونة حية. كان الرجل في الجاهلية إذ ولد له بنت، فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمّها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيذهب بها إلى البئر، فيقول لها: انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي بالأرض.
وقال ابن عباس: كانت الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإذا ولدت ولداً حبسته. وكانوا يفعلون ذلك لخوف لحوق العار بهم من أجلهنّ، أو الخوف من الإملاق، كما قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق﴾ (الأنعام: ١٥١)
وكانوا يقولون: إنّ الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهنّ، وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد وفيه افتخر الفرزدق في قوله:
*ومنا الذي منع الوائدات | وأحيا الوئيد فلم توءد* |
فإن قيل: ما معنى سؤالها عن ذنبها الذي قتلت به، وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ أجيب: بأن سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى عليه السلام: ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق﴾ (المائدة: ١١٦)
(١٣/٣٧١)