﴿وإذا الجحيم﴾ أي: النار الشديدة التأجج ﴿سعرت﴾ أي: أججت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها يقال سعرت الناء وأسعرتها. روي أنه ﷺ قال: «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة» واحتج بهذه الآية من قال: النار مخلوقة الآن لأنه يدل على أنّ سعيرها معلق بيوم القيامة. وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بتشديد العين والباقون بتخفيفها.
﴿وإذا الجنة﴾ أي: البستان ذو الأشجار الملتفة والرياض المعجبة ﴿أزلفت﴾ أي: قرّبت لأهلها ليدخلوها. قال الحسن: إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها. وقال عبد الله بن زيد: زينت والزلفى في كلام العرب القربة.
وقوله تعالى: ﴿علمت نفس﴾ جواب إذا أوّل السورة وما عطف عليها، أي: علمت كل نفس من النفوس وقت هذه المذكورات وهو يوم القيامة، فالتنكير فيه مثله في تمرة خير من جرادة، ودلالة هذا السياق للهول على ذلك يوجب اليقين فيه ﴿ما﴾ أي: كل شيء ﴿أحضرت﴾ من خير وشر.
روي عن ابن عباس وعمر أنهما قرأا فلما بلغا ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ قالا: لهذا أجريت القصة. قال الرازي: ومعلوم أنّ العمل لا يمكن إحضاره فالمراد إذن ما أحضرته في صحائفها، أو ما أحضرته عند المحاسبة وعند الميزان من آثار تلك الأعمال. وعن ابن مسعود: أنّ قارئاً قرأها عنده، فلما بلغ ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ قال: واقطع ظهراه.
(١٣/٣٧٣)
﴿فلا أقسم﴾ لا مزيدة، أي: أقسم ﴿بالخنس الجوار الكنس﴾ هي النجوم الخمسة زحل والمشتري والمرّيخ والزهرة وعطارد تخنس بضم النون، أي: ترجع في مجراها وراءها بينا نرى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعاً إلى أوّله، وتكنس بكسر النون تدخل في كناسها، أي: تغيب في المواضع التي تغيب فيها فخنوسها رجوعها، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس. وقيل: هي جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل، أي: تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها.


الصفحة التالية
Icon