﴿في أيّ صورة﴾ أي: من الصور التي تعرفها والتي لا تعرفها من الدواب والطيور وغير ذلك من الحيوان وغيره، وما في قوله تعالى: ﴿ما شاء﴾ مزيدة، وفي أيّ متعلق بركب في قوله تعالى ﴿ركبك﴾ أي: ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته وحكمته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والأنوثة، والشبه ببعض الأقارب وخلاف الشبه. فإن قيل: هلا عطفت هذه الجملة كما عطف ما قبلها؟ أجيب: بأنها بيان لعدلك ويجوز أن تتعلق بمحذوف، أي: ركبك حاصلاً في بعض الصور، ومحله النصب على الحال إن علق بمحذوف، ويجوز أن يتعلق بعدلك ويكون في أي معنى التعجب، أي: فعدلك في صورة عجيبة: ثم قال: ﴿ما شاء ركبك﴾ من التراكيب يعني: تركيباً حسناً.
وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى والتعلق به، وهو موجب الشكر والطاعة إلى عكسهما الذي هو الكفر والمعصية. وقوله تعالى: ﴿بل تكذبون﴾ أي: يا كفار مكة ﴿بالدين﴾ إضراب إلى ما هو السبب الأصلي في اغترارهم والمراد بالدين الجزاء على الأعمال والإسلام.
﴿وإنّ﴾ أي: والحال أنّ ﴿عليكم﴾ أي: ممن أقمناهم من جندنا من الملائكة ﴿لحافظين﴾ أي: على أعمالكم بحيث لا يخفى عليهم منها جليل ولا حقير.
﴿كراماً﴾ أي: على الله تعالى ﴿كاتبين﴾ أي: لهذه الأعمال في الصحف كما تكتب الشهود منكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير.
تنبيه: هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلا أنّ الأمّة أجمعت على عموم هذا الخطاب في حق المكلفين، وقوله تعالى: ﴿حافظين﴾ جمع يحتمل أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم غير الموكل بالآخر، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة، كما قيل: اثنان بالليل واثنان بالنهار، أو كما قيل: إنهم خمسة.
(١٣/٣٨٣)