﴿كلا﴾ ردع وزجر، أي: ليس هو أساطير الأوّلين، وقال الحسن: معناها حقاً كما مرّ. ﴿بل ران﴾ أي: غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم السماء ﴿على قلوبهم﴾ أي: كل من قال هذا القول ﴿ما كانوا يكسبون﴾ أي: كما يركب الصدأ من إصرارهم على الكبائر وتسويف التوبة حتى طبع على قلوبهم فلا تقبل الخير ولا تميل إليه. روى أبو هريرة أنّ رسول الله ﷺ قال: «إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكتت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وإذا زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلكم الران الذي ذكره الله تعالى في كتابه المبين». وقال أبو معاذ: الران أن يسودّ القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب وهو أشدّ من الران، والأقفال أشدّ من الطبع، وهو أن يقفل على القلب، قال تعالى: ﴿أم على قلوب أقفالها﴾ (محمد: ٢٤)
وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب ويغشى فيموت القلب.
(١٣/٣٩٢)
قال ﷺ «إياكم والمحقرات من الذنوب فإنّ الذنب على الذنب يوقد على صاحبه جحيماً ضخمة». وعن الحسن: الذنب بعد الذنب يسود القلب. يقال: ران عليه الذنب وغان عليه ربنا وغينا والغين الغيم، ويقال: ران فيه النوم: رسخ فيه، ورانت به الخمرة ذهبت به. وقرأ حمزة وشعبة والكسائي بالإمالة: محضة، والباقون بالفتح وسكت حفص على اللام وقفة لطيفة من غير قطع والباقون بغير سكت.
وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع عن الكسب الرائن على قلوبهم، وقيل: بمعنى حقاً كما مرّ ﴿إنهم عن ربهم﴾ أي: المحسن إليهم ﴿يومئذ لمحجوبون﴾ أي: فلا يرونه بخلاف المؤمنين فإنهم يرونه كما ثبت لك في الأحاديث الصحيحة. وقال الحسن: لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا. وسئل مالك عن هذه الآية فقال: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.


الصفحة التالية
Icon