﴿لتركبنّ﴾ أي: أيها الناس، أصله تركبون حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء الموحدة على خطاب الإنسان، والباقون بضمها على خطاب الجمع، وهو معنى الإنسان إذ المراد به الجنس أي: لتركبنّ أيها الإنسان ﴿طبقاً﴾ مجاوزاً ﴿عن طبق﴾ أي: حالاً بعد حال. قال عكرمة: رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ. وعن ابن عباس: الموت ثم البعث ثم العرض. وعن عطاء: مرّة فقيراً ومرّة غنياً. وقال أبو عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم لما روي أنه ﷺ قال: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟».
وقوله تعالى: ﴿فما لهم﴾ أي: الكفار ﴿لا يؤمنون﴾ استفهام إنكار، أي: أيّ مانع لهم من الإيمان، أو أي حجة في تركه بعد وجود براهينه.
﴿و﴾ ما لهم ﴿إذا قرئ﴾ أي: من أي: قارئ قراءة مشروعة ﴿عليهم القرآن﴾ أي: الجامع لكل ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم الفارق بين كل ملتبس ﴿لا يسجدون﴾ أي: لا يخضعون بأن يؤمنوا به لإعجازه، أو لا يصلون، قاله مقاتل، أو لا يسجدون لتلاوته لما روى أنه ﷺ «قرأ ﴿واسجد واقترب﴾ (العلق: ١٩)
فسجد ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق رؤوسهم فنزلت»
. وعن أبي هريرة قال: «سجدنا مع رسول الله ﷺ في ﴿اقرأ باسم ربك﴾ و﴿إذا السماء انشقت﴾». وعن نافع قال: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ ﴿إذا السماء انشقت﴾ فسجد فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم ﷺ فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه. وليس في ذلك دلالة على وجوبها فهي مندوبة. وعن الحسن: هي واجبة. واحتج أبو حنيفة على وجوب السجود بأنه تعالى ذمّ من سمعه ولم يسجد. وعن ابن عباس: ليس في المفصل سجدة، وما روى أبو هريرة يخالفه. وعن أنس: صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فسجدوا.
(١٣/٤٠٦)


الصفحة التالية
Icon