﴿إن كل نفس﴾ أي: من الأنفس مطلقاً لا سيما نفوس الناس ﴿لما عليها﴾ أي: بخصوصها ﴿حافظ﴾ وقرأ ابن عامر وعاصم بتشديد الميم والباقون بتخفيفها تكون مزيدة، وإن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي: أنه واللام فارقة وعلى تشديدها فإن نافية، ولما بمعنى إلا. والحافظ: هو المهيمن الرقيب وهو الله تعالى، ﴿وكان الله على كل شيء رقيباً﴾ (الأحزاب: ٥٢)، ﴿وكان الله على كل شيء مقيتاً﴾ (النساء: ٨٥)، أو ملك يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشرّ. وروى الزمخشري عن النبيّ ﷺ أنه قال: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب أحدكم عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين اختطفته الشياطين. ولما ذكر تعالى أن على كل نفس حافظاً أتبعه بوصية الإنسان بالنظر في حاله فقال تعالى:
(١٣/٤٢٢)
﴿فلينظر الإنسان﴾ أي: الآنس بنفسه الناظر في عطفه نظر اعتبار في أمره ونشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسرّه في عاقبته. وقوله تعالى: ﴿مم خلق﴾ استفهام، أي: من أيّ شيء، وجوابه.
﴿خلق﴾ أي: الإنسان على أيسر وجه وأسهله بعد خلق أبيه آدم عليه السلام من تراب وأمّه حوّاء رضي الله تعالى عنها من ضلعه. ﴿من ماء دافق﴾ أي: مدفوق، فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى: ﴿عيشة راضية﴾ (الحاقة: ٢١)
أو دافق على النسب، أي: ذي دفق أو اندفاق. وقال ابن عطية: يصح أن يكون الماء دافقاً؛ لأنّ بعضه يدفق بعضاً أي: يدفعه فمنه دافق ومنه مدفوق، والدفق الصب أي: مصبوب في الرحم، ولم يقل تعالى من ماءين فإنه من ماء الرجل وماء المرأة، لأنّ الولد مخلوق منهما لامتزاجهما في الرحم فصارا كالماء الواحد، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه.