وقوله سبحانه وتعالى: ﴿هل أتاك حديث الغاشية﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنّ هل بمعنى قد، أي: قد جاءك يا أشرف الخلق حديث الغاشية، كقوله تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر﴾ (الإنسان: ١)
. قال قطرب: والثاني: أنه استفهام على حاله، وتسميه أهل البيان التشويق، والمعنى: إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي، والغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها وهي القيامة من قوله: ﴿يوم يغشاهم العذاب﴾ (العنكبوت: ٥٥)
وقيل: هي النار من قوله تعالى: ﴿وتغشى وجوههم النار﴾ (إبراهيم: ٥٠)
﴿ومن فوقهم غواش﴾ (الأعراف: ٤١)
. وقيل: المراد النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى الخلق. وقيل: الغاشية أهل النار يغشونها ويقتحمون فيها.
﴿وجوه﴾، أي: كثيرة جدّاً كائنة ﴿يومئذ﴾، أي: يوم إذ غشيت ﴿خاشعة﴾، أي: ذليلة من الخجل والفضيحة والخوف من العذاب، والمراد بالوجوه في الموضعين: أصحابها.﴿{
(١٣/٤٣٨)
{عاملة ناصبة﴾، أي: ذات نصب وتعب. قال سعيد بن جبير عن قتادة: تكبرت في الدنيا عن طاعة الله تعالى فأعملها الله تعالى وأنصبها في النار بجرّ السلاسل الثقال وحمل الأغلال، والوقوف حفاة عراة في العَرَصَات في يوم كان مقداره ألف سنة. وقال ابن مسعود: تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل. وقال الحسن: لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب له فأعملها وأنصبها في جهنم. وقال ابن عباس: هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى على الكفر، مثل عبدة الأوثان والرهبان وغيرهم لا يقبل الله تعالى منهم إلا ما كان خالصاً له. وعن علي أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله ﷺ فقال: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» الحديث.