ثانيهما: أنّ جميع المخلوقات دالة على الصانع جلت قدرته إلا أنها قسمان منها ما للشهوة فيه حظ كالوجه الحسن والبساتين النزهة والذهب والفضة، فهذه مع دلالتها على الصانع قد يمنع استسحانها عن كمال النظر فيها ومنها ما لا حظ فيه للشهوة كهذه الأشياء فأمر بالنظر فيها؛ إذ لا مانع من إكمال النظر فيها. وقال عطاء عن ابن عباس: كأن الله تعالى يقول هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غيري.
ولما بين تعالى الدلائل على صحة التوحيد والمعاد قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم
﴿فذكر﴾، أي: بنعم الله تعالى ودلائل توحيده وعظهم بذلك وخوّفهم يا أشرف الخلق ﴿إنما أنت مذكر﴾ فلا عليك أن لا ينظروا ولم يذكروا أو ما عليك إلا البلاغ كما قال تعالى: ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾ (الشورى: ٤٨)
﴿لست عليهم بمسيطر﴾، أي: بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان كقوله تعالى: ﴿وما أنت عليهم بجبار﴾ (ق: ٥٠)
وهذا قبل الأمر بالجهاد. وقرأ هشام بالسين وقرأ حمزة بخلاف عن خلف بإشمام الصاد كالزاي، والباقون بالصاد الخالصة.
وقوله تعالى: ﴿إلا من تولى﴾ استثناء منقطع، أي: لكن من تولى عن الإيمان ﴿وكفر﴾، أي: بالقرآن.
(١٣/٤٤٥)
﴿فيعذبه الله﴾، أي: الذي له الكمال كله بسبب تكبره عن الحق ومخالفته لأمرك ﴿العذاب الأكبر﴾، أي: عذاب الآخرة لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر. وقيل: استثناء متصل فإنّ جهاد الكفار وقتلهم تسليط فكأنه أوعدهم بالجهاد في الدنيا وعذاب النار في الآخرة وقيل: هو استثناء من قوله تعالى: ﴿فذكر﴾ إلا من انقطع طمعك من إيمانه، وتولى فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض.
﴿إن إلينا﴾، أي: خاصة بما لنا من العظمة ﴿إيابهم﴾، أي: رجوعهم بعد البعث.


الصفحة التالية
Icon