وقوله تعالى: ﴿إنّ سعيكم﴾، أي: عملكم ﴿لشتى﴾ جواب القسم، والمعنى: أنّ أعمالكم لتختلف، فعامل للجنة بالطاعة وعامل للنار بالمعصية، ويجوز أن يكون محذوفاً كما قيل في نظائره المتقدّمة، وشتى: واحده شتيت مثل: مريض ومرضى، وإنما قيل: للمختلف شتى: لتباعد ما بين بعضه وبعضه، أي: إنّ عملكم المتباعد بعضه من بعض لشتى؛ لأنّ بعضه ضلال وبعضه هدى، أي: فيكم مؤمن وبر وكافر وفاجر، ومطيع وعاص. وقيل: لشتى، أي: لمختلف الجزاء، فمنكم مثاب بالجنة ومعاقب بالنار. وقيل: لمختلف الأخلاق فمنكم راحمٌ وقاسٍ وحليمٌ وطائشٌ وجوادٌ وبخيل قال بعض المفسرين: نزلت هذه الآية في أبي بكر وأبي سفيان بن حرب. وروى أبو مالك الأشعري «أنّ رسول الله ﷺ قال: كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»، أي: مهلكها.
وقوله تعالى: ﴿فأمّا من أعطى﴾، أي: وقع منه إعطاء على ما حدّدناه له وأمرناه به ﴿واتقى﴾، أي: ووقعت منه التقوى، وهي إيجاد الوقايات من الطاعات واجتناب المعاصي خوفاً من سطواتنا.
﴿وصدّق بالحسنى﴾ تفصيل مبين لتشتيت المساعي. واختلف في الحسنى فقال ابن عباس: ، أي: بلا إله إلا الله. وقال مجاهد: بالجنة لقوله تعالى: ﴿للذين أحسنوا الحسنى﴾ (يونس: ٢٦)
. وقال زيد بن أسلم: الصلاة والزكاة والصوم.﴿{
(١٣/٤٨٠)
{فسنيسره﴾
، أي: نهيئه بما لنا من العظمة بوعدٍ لا خلف فيه ﴿لليسرى﴾، أي: لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل فعلها. وقال زيد بن أسلم: لليسرى، أي: للجنة. قال رسول الله ﷺ «ما من نفس منفوسة إلا كتب الله تعالى مدخلها، فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال ﷺ بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أمّا من كان من أهل السعادة فإنه ميسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ميسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ ﴿فأمّا من أعطى وأتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى﴾».


الصفحة التالية
Icon