. وقال تعالى: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ (البقرة: ٨٩)
وقد كان مجيء البينة يقتضي اجتماعهم على الحق لا تفرّقهم فيه. وقرأ حمزة وابن ذكوان بإمالة الألف بعد الجيم محضة، والباقون بالفتح.
ولما كان حال من أضل على علم أشنع زاد في فضيحتهم فقال تعالى:
﴿وما أمروا﴾ أي: هؤلاء في التوراة والإنجيل ﴿إلا ليعبدوا الله﴾ أي: يوحدوا الإله الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد غيره، واللام بمعنى أن كقوله تعالى: ﴿يريد الله ليبين لكم﴾ (النساء: ٢٦)
. وقوله تعالى: ﴿مخلصين له الدين﴾ فيه دليل على وجوب النية في العبادات لأنّ الإخلاص من عمل القلب، وهو أن يراد به وجه الله تعالى لا غيره، ومن ذلك قوله: ﴿إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين﴾ (الزمر: ١١)
. ﴿حنفاء﴾ أي: مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، وأصل الحنف في اللغة: الميل وخصه العرف بالميل إلى الخير، وسموا الميل إلى الشرّ إلحاداً والحنيف المطلق الذي يكون متبرئاً عن أصول الملل الخمسة اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين. وعن فروعها من جميع النحل إلى الاعتقادات، وعن توابعها من الخطأ والنسيان إلى العمل الصالح، وهو مقام التقى، وعن المكروهات إلى المستحبات وهو المقام الأوّل من الورع، وعن الفضول شفقة على خلق الله وهو ما لا يعني إلى ما يعنى وهو المقام الثاني من الورع، وعما يجر إلى الفضول وهو مقام الزهد، فالآية جامعة لمقامي الإخلاص. الناظر: أحدهما: إلى الحق، والثاني: إلى الخلق.
ولما ذكر أصل الدين أتبعه الفروع، وبدأ بأعظمها الذي هو مجمع الدين وموضع التجرّد عن العوائق، فقال عز من قائل: ﴿ويقيموا﴾ أي: يعدلوا من غير اعوجاج بجميع الشرائط والأركان والحدود ﴿الصلاة﴾ لتصير بذلك أهلاً بأن تقوم بنفسها، وهي من التعظيم لأمر الله تعالى.
(١٤/٣٥)


الصفحة التالية
Icon