﴿فالموريات قدحاً﴾ قال عكرمة والضحاك: هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة لا سيما عند سلوك الأوعار، وقدحاً منصوب لما انتصب به ضبحاً. قال الزمخشري: ففيه الثلاثة أوجه المتقدّمة. وعن ابن عباس: أورت بحوافرها غباراً، وهذا إنما يناسب من فسر العاديات بالإبل. وقال ابن مسعود: هي الإبل تطأ الحصى فتخرج منه النار أصل القدح: الاستخراج، ومنه قدحت العين إذا أخرجت منها الماء الفاسد. وعن قتادة وابن عباس أيضاً: أنّ الموريات قدحاً الرجال في الحرب، والعرب تقول: إذا أرادوا أنّ الرجل يمكر بصاحبه والله لأمكرنّ بك ثم لأورين لك، وعن ابن عباس أيضاً: هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل لحاجتهم وطعامهم، وعنه أيضاً: إنها نيران المجاهدين إذا كثرت إرهاباً ليظنهم العدوّ كثيراً قال القرطبي: وهذه الأقوال مجاز كقولهم: فلان يوري زناد الضلالة والأوّل الحقيقة وأنّ الخيل من شدّة عدوها تقدح النار بحوافرها. وقال مقاتل: تسمى تلك النار نار أبي حباب، وأبو حباب كان شيخاً من مضر في الجاهلية من أبخل الناس، وكان لا يوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون فيوقد نويرة تقد مرّة وتخمد أخرى، فإن استيقظ لها أحداً أطفأها كراهة أن ينتفع بها أحد، فشبهت العرب هذه النار بناره لأنه لا ينتفع بها.
ولما ذكر العدو وما يتأثر عنده ذكر نتيجته وغايته بقوله:
﴿فالمغيرات﴾ أي: بإغارة أهلها وقوله تعالى: ﴿صبحاً﴾ ظرف، أي: التي تغير وقت الصبح يقال أغار بغير إغارة إذا باغت عدوّه لنهب أو قتل أو أسر، قال الشاعر:

*فليت لي بهم قوماً إذا اركبوا شنوا الإغارة فرساناً وركبانا*
وغار لغية.
﴿فأثرن﴾ أي: فهيجن ﴿به﴾ أي: بفعل الإغارة ومكانها وزمانها من شدّة العدو ﴿نقعاً﴾ أي: غبار الشدّة حركتهنّ والنقع الغبار.
(١٤/٤٩)


الصفحة التالية
Icon