واختلف في ناصب ﴿يوم﴾ على وجهين أحدهما أنه بمضمر دلّ عليه القارعة، أي: تقرعهم يوم. وقيل تقديره: تأتي القارعة يوم ﴿يكون الناس﴾ والثاني أنه أذكر مقدّراً فهو مفعول به لا ظرف. وقوله تعالى: ﴿كالفراش المبثوث﴾ يجوز أن يكون خبراً للناقصة وأن يكون حالاً من فاعل التامة، أي: يؤخذون ويحشرون شبه الفراش شبههم في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار، والفراش طائر معروف. قال قتادة: الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة فراشة. وقال الفراء: هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطيش والهرج يقال: أطيش من فراشة. وأنشدوا:

*فراشة الحلم فرعون العذاب وأن تطلب نداه فكلب دونه كلب*
وفي أمثالهم: أضعف من فراشة، وأذل وأجهل. وسمي فراشاً لتفرشه وانتشاره. وروى مسلم عن جابر قال: «قال رسول الله ﷺ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهنّ عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي». وفي تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي يلحقهم وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضاً، والكثرة والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار. قال جرير:
*إنّ الفرزدق ما علمت وقومه مثل الفراش غشين نار المصطلى*
والمبثوث المتفرق، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿كأنهم جراد منتشر﴾ (القمر: ٧)
فإن قيل: كيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟ أجيب: بأنّ التشبيه بالفراش في ذهاب كل واحد إلى غير جهة الآخر، وأمّا التشبيه بالجراد فبالكثرة والتتابع.
﴿وتكون الجبال﴾ على ما هي عليه من الشدّة والصلابة وأنها صخوراً راسخة ﴿كالعهن﴾ أي: الصوف المصبوغ ألواناً لأنها ملوّنه قال تعالى: ﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر﴾ (فاطر: ٢٧)


الصفحة التالية
Icon