﴿ولا أنتم عابدون﴾، أي: في الاستقبال ﴿ما أعبد﴾ وهو الله وحده لا شريك له، وهذا خطاب لمن علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون. وإطلاق ما على الله تعالى على جهة المقابلة، وبهذا زال التكرار ووجه التكرار كما قال أكثر أهل المعاني: هو أن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم ومن مذاهبهم التكرار لإرادة التأكيد والإفهام، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار لإرادة التخفيف والإيجاز فالقائل بالتأكيد يقول قوله تعالى: ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ تأكيد لقوله تعالى: ﴿لا أعبد ما تعبدون﴾ (التكاثر: ٣ ـ ٤)
وقوله تعالى: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ثانياً تأكيد لقوله تعالى: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ومثله ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ (الرحمن: ٧٧)
و﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ (المرسلات: ١٥)
في سورتيهما و﴿كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون﴾ وفي الحديث: «فلا أذن ثم لا أذن إنما فاطمة بضعة مني» وفائدة التأكيد هنا قطع أطماع الكفار وتحقيق الأخبار وهو إقامتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبداً وعلى الأوّل قد تقيدت كل جملة بزمان غير الزمان الآخر قال ابن عادل: وفيه نظر كيف يقيد رسول الله ﷺ نفي عبادته لما يعبدون بزمان، وهذا مما لا يصح اه. وقد يردّ هذا بأنه ﷺ نفى في الجملة الأولى الحال، وفي الثانية الاستقبال وقول البيضاوي: فإن لا، لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أنّ ما لا تدخل إلا على المضارع بمعنى الحال جرى على الغالب فيهما
ولما أيس منهم ﷺ قال: ﴿لكم دينكم﴾ أي: الذي أنتم عليه من الشرك ﴿ولي دين﴾ أي: الذي أنا عليه من التوحيد وهو دين الإسلام، وفي هذا معنى التهديد كقوله تعالى: ﴿لنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾ (القصص: ٥٥)
(١٤/٩٦)


الصفحة التالية
Icon