﴿فسبح﴾، أي: نزه بقولك وفعلك بالصلاة وغيرها تسبيحاً ملتبساً ﴿بحمد ربك﴾، أي: الذي أنجز لك الوعد بإكمال الدين وقمع المعتدين المحسن إليك بجميع ذلك، لأنّ هذا كله لكرامتك وإلا فهو عزيز حميد على كل حال تعجباً لتيسير الله تعالى لهذا الفتح الذي لم يخطر ببال أحد حامداً له عليه، أو فصل له حامداً على نعمه قاله ابن عباس. روي أنه ﷺ «لما دخل مكة بدأ بالسجود فدخل الكعبة وصلى ثمان ركعات». ﴿واستغفره﴾، أي: اطلب غفرانه لتقتدي بك أمّتك في المواظبة على الأمان الثاني، فإنّ الأمان الأول الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه إلى معدنه في الرفيق الأعلى، والمحل الأقدس، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله تعالى حق قدره كما أشار إلى ذلك الاستغفار عقب الصلاة التي هي أعظم العبادات وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت: «ما صلى رسول الله ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه سورة إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول: استغفر الله وأتوب إليه، قال: فإني أمرت بها، ثم قرأ ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ إلى آخرها». وقال عكرمة: لم يكن النبيّ ﷺ قط أشد اجتهاداً في أمور الآخرة ما كان عند نزولها. وقال مقاتل: لما نزلت قرأها النبيّ ﷺ على أصحابه، وفيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص والعباس ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس فقال له النبيّ ﷺ «ما يبكيك يا عمّ؟ قال: نعيت إليك نفسك،. قال: إنه كما قلت، فعاش بعدها ستون يوماً ما رؤى ضاحكاً مستبشراً» وقيل: نزلت في منى بعد أيام التشريق في حجة الوداع فبكى عمر والعباس، فقيل لهما: هذا يوم فرح، فقالا: لا بل فيه نعي النبيّ ﷺ وعن ابن عمر نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزل ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾ (المائدة: ٣)
(١٤/١٠٢)


الصفحة التالية
Icon