ولما أمره الله تعالى بالتسبيح والاستغفار أرشده إلى التوبة بقوله تعالى: ﴿إنه﴾، أي: المحسن إليك بالنصر والفتح وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر ﴿كان﴾، أي: ولم يزل ﴿تواباً﴾، أي: رجاعاً بمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته، فهو الذي رجع بأنصارك عما كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف والعداوات، فأيدك الله تعالى بدخولهم في الدين شيئاً فشيئاً إلى أن دخلت مكة بعشرة آلاف، وهو أيضاً يرجع بك إلى الحالة التي يزداد بهاظهور رفعتك في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى: ﴿وللآخرة خير لك من الأولى﴾ (الضحى: ٤)
فتفوز بتلك السعادات العالية. وعن ابن مسعود: أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع. قال قتادة ومقاتل: عاش النبيّ ﷺ بعد نزول هذه السورة سنتين وهذا بناء على أنها نزلت قبل فتح مكة، وهو قول الأكثر فإنّ الفتح كان في سنة ثمان، وأمّا من قال: عاش دون ذلك كما مر فبناء على أنها نزلت في حجة الوداع كما مرّ أيضاً.
تنبيه: في الآية سؤالات أحدها أنّ قوله تعالى: ﴿كان تواباً﴾ يدل على الماضي وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل. ثانيها: هلا قال غفاراً كما قال في سورة نوح عليه السلام. ثالثها: أنه قال تعالى: ﴿نصر الله﴾ وقال تعالى: ﴿في دين الله﴾ وقال تعالى ﴿بحمد ربك﴾ ولم يقل بحمد الله؟ أجيب: عن الأوّل بوجوه:
أحدها: أنّ هذا أبلغ كأنه يقول إني تبت على من هو أقبح فعلاً منكم كاليهود، فإنهم بعد ظهور المعجزات العظيمة كفلق البحر ونتق الجبل ونزول المنّ والسلوى عصوا ربهم وأتوا بالقبائح، ولما تابوا قبلت توبتهم فإذا كنت قابلاً لتوبة أولئك وهم دونكم أفلا أقبل توبتكم وأنتم خير أمّة أخرجت للناس.
ثانيها: إني شرعت في توبة العصاة، والشروع ملزم على قول النعمان فكيف في كرم الرحمن.
ثالثها: كنت تواباً قبل أمركم بالاستغفار، أفلا أقبل وقد أمرتكم.
(١٤/١٠٥)