وعن عمر بن عبد العزيز: لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد، وفي إشعار الآية إدعاء بما يحسد عليه من نعم الدارين لأنّ خير الناس من عاش محسوداً ومات محسوداً. فإن قيل: لم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ أجيب: بأنّ النفاثات عرفت لأنه كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض وكذلك كل حاسد لا يضر.
وربّ حسد محمود وهو الحسد في الخيرات، ومنه قوله ﷺ «لا حسد إلا في اثنتين» الحديث. وقال أبو تمام: وما حاسد في المكرمات بحاسد. وقال آخر: إن العلا حسن في مثلها الحسد.
فائدة: قال بعض الحكماء: الحاسد بارز ربه من خمسة أوجه: أولها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة. ثالثها: إنه ضاد فعل الله تعالى إن فضل ببره من شاء، وهو يبخل بفضل الله تعالى. رابعها: أنه خذل أولياء الله تعالى، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم. خامسها: أنه أعان عدوّ الله إبليس، والحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة، ولا ينال في الدنيا إلا جزعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله تعالى إلا بعداً ومقتاً.
(١٤/١٢٥)


الصفحة التالية
Icon