﴿يأيها الناس﴾ خطاب يعم المكلفين من أولاد آدم من الذكور والإناث الموجودين منهم في زمن نبينا ﷺ من العرب وغيرهم، وقيل: يختص بالعرب منهم لقوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾ إذ المناشدة بالله وبالرحم عادة مختصة بهم فيقولون: أنشدك بالله وبالرحم، وأجيب بأنّ خصوص آخر الآية لا يمنع عموم أوّلها ﴿اتقوا ربكم﴾ أي: عذابه بأن تطيعوه ﴿الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ أي: فرّعكم من أصل واحد، وهو نفس آدم أبيكم.
وقوله تعالى: ﴿وخلق منها زوجها﴾ معطوف على «خلقكم» أي: خلقكم من شخص واحد هو آدم، وخلق منها أمكم حوّاء بالمدّ من ضلع من أضلاعه اليسرى، أو معطوف على محذوف كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها وابتدأها وخلق منها زوجها، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حوّاء، وهو تقرير لخلقكم من نفس واحدة، وقوله تعالى: ﴿وبث منهما﴾ أي: من آدم وحوّاء ﴿رجالاً كثيراً ونساء﴾ أي: كثيراً بيان لكيفية تولدهم منهما.
والمعنى: وبث أي: نشر من تلك النفس والزوج المخلوقة منها بنين وبنات كثيرة، واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكنّ أكثر إذ للرجل أن يزيد في عصمته على واحدة بخلاف المرأة، وذكر كثيراً حملاً على الجمع ولا تكرار في الآية؛ لأن خلقكم من نفس واحدة مغاير لخلق حوّاء منها؛ لأنها خلقت من ضلعه وهم من مائهما ولبث الرجال والنساء؛ لأنه بين به أن خلقهم من نفس واحدة معناه من نفس آدم وحوّاء مع زيادة التصريح بالرجال والنساء ﴿واتقوا الله الذي تساءلون﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في السين أي: تتساءلون ﴿به﴾ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله، وأنشدك بالله.
(٢/١٧٢)


الصفحة التالية
Icon