فإن قيل: لم جاء العطف بالواو دون أو حتى قال بعض الرافضة: إنّ له أن يتزوج بتسعة؟ أجيب: بأنه لو عطف بأو لذهب معنى تجويز أنواع الجمع بين أنواع القسمة التي دلت عليها الواو ﴿فإن خفتم أن لا تعدلوا﴾ بين هذه الأعداد أيضاً بالقسم والنفقة ﴿فواحدة﴾ أي: فانكحوا واحدة وذروا الجمع ﴿أو ما ملكت أيمانكم﴾ أي: اقتصروا على ذلك سواء بين الواحدة من الأزواج والعدد من السراري؛ لخفة مؤنتهنّ وعدم وجوب القسم بينهنّ.
تنبيه: هذا في حق الحر أما من فيه رق فلا يتزوّج أكثر من ثنتين بإجماع الصحابة وقد يعرض للحر عوارض لا يزاد فيها على واحدة كجنون أو سفه ﴿ذلك﴾ أي: نكاح الأربعة فقط أو الواحدة أو التسري ﴿أدنى﴾ أقرب إلى ﴿أن لا تعولوا﴾ أي: تجوروا، يقال: عال الحاكم في حكمه إذا جار.
وروي أن أعرابياً حكم عليه حاكم فقال له: أتعول علي وقد ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله ﷺ «أن لا تعولوا، أن لا تجوروا»، وحكي عن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنه فسر «أن لا تعولوا» بأن لا تكثروا عيالكم قال البغويّ: وما قاله أحد إنما يقال: من كثرة العيال أعال يعيل إعالة إذا كثرت عياله، وقال الزمخشريّ: ووجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولك: مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم؛ لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم، ثم قال: وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين حقيق بالحمل على الصحة والسداد، وأن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لا تظننّ بكلمة خرجت من في أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً. وكان الشافعيّ رحمه الله تعالى أعلى كعباً وأطول باعاً في علم كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا اه.
(٢/١٧٧)


الصفحة التالية
Icon