﴿الذي جعل﴾ أي: خلق ﴿لكم الأرض فراشاً﴾ أي: بساطاً تفرش صفة ثانية، أو منصوب بتقدير أمدح، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، ومعنى جعلها فراشاً أن جعل بعض جوابنها بارزاً عن الماء مع ما في طبع الماء من الإحاطة بها وصيرها متوسطة بين الصلابة واللطافة حتى صارت مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط وذلك لا يستدعي كونها مسطحة لأنّ كرية شكلها مع عظم حجمها واتساع جرمها لا تأبى الفراش عليها فليس في ذلك إلا أنّ الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفاريش، وسواء كانت على شكل السطح أو على شكل الكرة ﴿و﴾ جعل لكم ﴿السماء بناء﴾ أي: قبة مضروبة عليكم. والسماء اسم جنس يقع على الواحد وعلى المتعدد كالدينار والدرهم وقيل: جمع سماءة. والبناء مصدر سمي به المبني بيتاً كان أو قبة أو خباء ومنه: بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديداً، وقوله تعالى: ﴿وأنزل من السماء ماء﴾ معطوف على ﴿جعل﴾ والمراد بها، إمّا السحاب فإنّ ما علاك سماء، وإمّا الفلك فإنّ المطر يبتدىء إمّا من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض كما دلت عليه الظواهر من الآيات كقوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء﴾ (لقمان، ١٠) وقوله تعالى: ﴿أنزل من السماء ماءً فسلّكه ينابيع في الأرض﴾ (الزمر، ٢١)، وعن خالد بن معدان قال: المطر ماء يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا فيجتمع في موضع فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه فيسوقها الله حيث شاء، وإما من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جوّ الهواء فتنعقد سحاباً ماطراً. ﴿فأخرج به من﴾ أنواع ﴿الثمرات رزقاً لكم﴾ تأكلونه وتعلفون منه دوابكم وخروجها بقدرة الله تعالى ومشيئته، ولكن جعل الماء الممزوج بالتراب سبباً في إخراجها ومادّة لها كالنطفة للحيوان بأن أجرى عادته بإفاضة صورها وكيفياتها على المادة الممتزجة منهما، أو أبدع في الماء قوّة فاعلة وفي الأرض قوّة قابلة


الصفحة التالية
Icon