﴿وإن كنتم في ريب﴾ أي: شك ﴿مما نزلنا على عبدنا﴾ محمد من القرآن أنه من عند الله ﴿فأتوا بسورة﴾ وإنما قال تعالى: ﴿مما نزلنا﴾ لأنّ نزوله نجماً فنجماً بحسب الوقائع على ما يرى عليه أهل الشعر والخطابة مما يريبهم كما حكى الله تعالى عنهم بقوله تعالى: ﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة﴾ (الفرقان، ٢٢) فكان الواجب تحدّيهم على هذا الوجه إزالة للشبهة وإلزاماً للحجة، فإن أهل الشعر والخطابة يأتون بأشعارهم وخطبهم على قدر الحاجة شيئاً فشيئاً ولما كان القرآن منزلاً كذلك طعنوا فيه بأنه مثل كلامهم فقيل لهم: إن ارتبتم في نزوله منجماً فأتوا بنجم منه لأنهم إذا عجزوا عن نجم منه فعجزهم عن كله أولى. وأضاف العبد إلى نفسه تنويهاً بذكره وتنبيهاً على أنه مختص به منقاد لحكمه. والسورة من القرآن الطائفة منه المترجمة التي لها أوّل وآخر أقلها ثلاث آيات. والحكمة في تقطيع القرآن سوراً إفراد الأنواع وتلاحق الأشكال وتجاوب النظم وتنشيط القارىء وتسهيل الحفظ والترغيب فيه، فإنّ القارىء إذا ختم سورة فرّج ذلك عنه بعض كربه، كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلاً أو طوى بريداً، أو الحافظ إذا حفظ سورة اعتقد أنه أخذ من القرآن حظاً تامّاً وفاز بطائفة محدودة مستقلة بنفسها فعظم ذلك عنده وابتهج به إلى غيرها من الفوائد، وقوله تعالى: ﴿من مثله﴾ صفة سورة أي: بسورة كائنة من مثله، والضمير لما نزلنا ومن للتبعيض، أو للتبيين، وزائدة عند الأخفش، أي: بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النظم، وقيل: الضمير لعبدنا، ومن للإبتداء أي: بسورة كائنة ممن هو على حاله من كونه بشراً أميّاً لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم، والوجه الأول أولى لأنه المطابق لقوله تعالى في سورة يونس: ﴿فأتوا بسورة مثله﴾ (يونس، ٣٨) ولسائر آيات التحدي، ولأنّ الكلام في المنزل لا في المنزل عليه فحقه أن لا ينفك عنه ليتسق الترتيب والنظم إذ المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن


الصفحة التالية
Icon