فإن قيل: قوله تعالى: ﴿واذكروا نعمة الله﴾ يشعر بسبق النسيان وكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات؟ أجيب: بأنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد فصار غاية ظهورها وكثرتها سبباً لوقوعها في محل النسيان ﴿و﴾اذكروا ﴿ميثاقه﴾ أي: عقده الوثيق ﴿الذي واثقكم به﴾ أي: بواسطة رسول الله ﷺ حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره والمنشط مفعل من النشاط وهو الأمر الذي ينشط له والمكره مفعل من الكره وهو الأمر الذي تكرهه النفس وأضاف الميثاق الصادر من رسول الله ﷺ إلى نفسه كقوله: ﴿إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ وأكد ذلك بأنكم التزمتموه ﴿إذا﴾ أي: حين ﴿قلتم سمعنا وأطعنا﴾ وفي ذلك تذكير بما أوجب الله له ﷺ عليكم من الشكر بهدايته لكم إلى الإسلام ثم حذركم عن نقض تلك العهود بقوله: ﴿واتقوا الله﴾ أي: في ميثاقه أن تنقضوه ﴿إنّ الله﴾ الذي له صفات الكمال ﴿عليم﴾ أي: بالغ العلم ﴿بذات الصدور﴾ أي: بما في القلوب فبغيره أولى فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم، وقيل: المراد بالميثاق هو الذي أخذه الله منهم حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى قاله مجاهد وقيل: المراد به الدلائل العقلية والشرعية التي نصبها الله على التوحيد والشرائع قاله السدي، وأدغم أبو عمرو القاف في واثقكم في الكاف بخلاف عنه.
(١٥/٢٣)


الصفحة التالية
Icon