﴿وقالت اليهود والنصارى﴾ أي: كل طائفة قالت على حِدَتِها ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ اختلف المفسرون في معنى ذلك على أربعة أوجه، أحدها: أنّ هذا من باب حذف المضاف أي: نحن أبناء رسل الله كقوله تعالى: ﴿إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ (البقرة، ١٠) الثاني: إن لفظ الابن كما يطلق على ابن الصلب قد يطلق أيضاً على من اتخذ ابناً بمعنى تخصيصه بمزيد الشفقة والمحبة، فالقوم لما ادعوا عناية الله بهم ادعوا أنهم أبناء الله. الثالث: إنّ اليهود زعموا أنّ العزير ابن الله، والنصارى زعموا أنّ المسيح ابن الله ثم زعموا أنّ العزير والمسيح كانا منهم فصار كأنهم قالوا: نحن أبناء الله ألا ترى أنّ أقارب الملك إذا فاخروا أحداً يقولون: نحن ملوك الدنيا والمراد كونهم مختصين بالشخص الذي هو الملك فكذا هنا، الرابع: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنّ النبيّ ﷺ دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوّفهم من عقاب الله فقالوا: كيف تخوّفنا بعذاب الله ونحن أبناء الله تعالى وأحباؤه فهذه الرواية إنما وقعت عن تلك الطائفة، وأمّا النصارى فإنهم يتلون في الإنجيل أنّ المسيح قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وقيل: أرادوا أنّ الله كالأب لنا في الحنو والعطف ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة، وقال إبراهيم النخعي: إنّ اليهود وجدوا في التوراة يا أبناء أحباري فبدلوه بيا أبناء أبكاري فمن ذلك قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.
وجملة الكلام: إنّ اليهود والنصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلاً على سائر الخلق بسبب أسلافهم من الأنبياء إلى أن ادعوا ذلك.
(١٥/٣٧)