يقال: فتر الشيء يفتر فتوراً إذا سكنت حركته وصار أقلّ مما كان عليه وسميت المدّة بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي في العمل بترك الشرائع واختلفوا في مدّة الفترة بين عيسى ومحمد ﷺ فقال أبو عثمان النهدي: ستمائة سنة، وقال قتادة: خمسمائة وستون سنة وقال معمر والكلبيّ: خمسمائة وستة وأربعون سنة وعن الكلبيّ: بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ، وبين عيسى ومحمد ﷺ أربعة من الأنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسيّ، وفي الآية امتنان عليهم بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكون إليه قال البقاعي: ولعله عبّر بالمضارع في يبيّن إشارة إلى أنّ دينه وبيانه لا ينقطع أصلاً بحفظ كتابه فكلما درست سنة منح الله تعالى بعالم يردّ الناس إليها بالكتاب العزيزالمعجز القائم أبداً فلذلك لا يحتاج الأمر إلى نبيّ مجدّد إلا عند الفتنة التي لا تطيقها العلماء وهي فتنة الدجال ويأجوج ومأجوج.
ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿أن﴾ أي: كراهة أن ﴿تقولوا﴾ أي: إذا حشرتم وسئلتم عن إهمالكم ﴿ما جاءنا من بشير﴾ أيّ بشير فمن زائدة لتأكد النفي أي: يبشرنا لنرغب فنعمل بما يسعدنا فنفوز ﴿ولا نذير﴾ أي: يحذرنا لنرهب فنترك ما يشقينا فنسلم وقوله تعالى: ﴿فقد جاءكم بشير ونذير﴾ متعلق بمحذوف أي: لا تعتذروا بما جاءنا من بشير ولا نذير فلا جاءكم بشير ونذير ﴿وا على كل شيء قدير﴾ أي: فيقدر على الإرسال تَتْراً واحداً بعد واحد على التعاقب كما فعل بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وعلى الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
(١٥/٣٩)