وثالثها: قوله تعالى: ﴿وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين﴾ وذلك، لأنه تعالى خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام كفلق البحر لهم وأهلك عدوّهم وأورثهم أموالهم وأنزل عليهم المنّ والسلوى وأخرج لهم المياه الغزيرة من الحجر وأظلّ فوقهم الغمام، ولم يجتمع الملك والنبوّة لقوم كما اجتمعا لهم، وكانوا في تلك الأيام هم العلماء بالله تعالى وهم أحباب الله وأنصار دينه، وقيل: المراد بالعالمين عالمو زمانهم. وقال الكلبيّ: إن جعلت العالمين عامّاً وجب تخصيص «ما» لئلا يلزم أنهم أوتوا ما لم تؤت هذه الأمّة من الكرامة والفضل وغير ذلك وإن خصصته بعالمي زمانهم ف «ما» باقية على عمومها إذ لا محذور.
ولما ذكرهم هذه النعم وشرحها لهم أمرهم بعد ذلك بجهاد العدوّ فقال:
﴿يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة﴾ أي: المطهرة وهي أرض بيت المقدس سمّيت بذلك لأنها كانت مسكن الأنبياء والمؤمنين وقال مجاهد: هي الطور وما حوله. وقال الكلبيّ: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردُنّ وهو بضم الدال وتشديد النون اسم نهر أو كورة بالشأم قاله الجوهريّ، وقال قتادة: هي الشأم كلها ﴿التي كتب الله لكم﴾ أي: في اللوح المحفوظ إنها لكم مساكن وقال السديّ: أمركم بدخولها.
فإن قيل: على القول الأوّل: كيف كتبها لهم بعد قوله تعالى بعد ﴿فإنها محرمة عليهم﴾؟ أجيب: بأجوبة أوّلها: قال ابن عباس: إنها كانت هبة ثم حرّمها عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم، ثانيها: اللفظ وإن كان عاماً لكم المراد به الخصوص فكأنها كتبت لبعضهم وحرّمت على بعضهم، ثالثها: إنّ الوعد بقوله تعالى: ﴿كتب الله لكم﴾ مشروط بقيد الطاعة فلما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط، رابعها: إنها محرّمة عليهم أربعين سنة فلما مضت الأربعون حصل ما كتب ﴿ولا ترتدّوا على أدباركم﴾ أي: ولا ترجعوا مدبرين خوفاً من العدوّ ﴿فتنقلبوا خاسرين﴾ أي: في سعيكم، وذلك أنّ قوم موسى لما أخرجوا من مصر وعدهم الله تعالى إسكان أرض الشأم.
(١٥/٤١)


الصفحة التالية
Icon