فإن قيل: هذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكوماً عليهم بالشرّ ومعلوم إنه ليس كذلك أجيب: بأنه إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم، فإنهم حكموا بأنّ اعتقاد ذلك الدين شر فقيل لهم: هب أنّ الأمر كذلك لكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شرّ من ذلك والذين لعنهم الله في هذه الآية هم اليهود أبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت وبعضهم خنازير وهم كفار أهل مائدة عيسى، وقيل: كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة ومشايخهم خنازير.
روي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون: يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم وقوله تعالى: ﴿وعبد الطاغوت﴾ عطف على صلة من كأنه قيل: ومن عبد الطاغوت وقرأ حمزة بضم باء عبد وكسرتاه الطاغوت على أنه اسم جمع لعبد عطف على من والباقون بنصب الباء من عبد والتاء من الطاغوت والطاغوت الشيطان أو العجل لأنه معبود من دون الله ولأنّ عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الطاغوت الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى.
(١٥/٨٥)
تنبيه: روعي في منهم معنى من وفيما قبلها لفظها وهم اليهود ﴿أولئك﴾ أي: الملعونون الممسوخون ﴿شرّ مكاناً﴾ لأنّ مأواهم النار وجعلت الشرارة للمكان وهي لأهله وفيه مبالغة ليست في قولك أولئك شر ومكاناً تمييز ﴿وأضل عن سواء السبيل﴾ أي: طريق الحق وأصل السواء الوسط.


الصفحة التالية
Icon