روي أنه ﷺ قال: «لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده فوق عرشه: إنّ رحمتي غلبت غضبي» وفي رواية «سبقت غضبي» وفي رواية «إنّ لله تعالى مئة رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة».
وروي أنه ﷺ قدم عليه سبي فإذا امرأة من السبي قد غلب ثديها إذ وجدت صبياً في السبي أخذته وألصقته ببطنها وأرضعته فقال النبيّ ﷺ «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه» فقلنا: لا والله يا رسول الله فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» وقوله تعالى: ﴿ليجمعنكم﴾ استئناف واللام لام القسم أي: والله ليجمعنكم ﴿إلى يوم القيامة﴾ أي: في يوم القيامة وإلى بمعنى في أو ليجمعنكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم، وقيل: بدل من الرحمة بدل البعض فإن من رحمته بعثه إياكم وإنعامه عليكم ﴿لا ريب﴾ أي: لا شك ﴿فيه﴾ أي: اليوم أو الجمع، وقوله تعالى: ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ في موضع نصب على الذم أو رفع على الخبر أي: وأنتم الذين خسروا أنفسهم بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية أو مبتدأ خبره ﴿فهم لا يؤمنون﴾.
فإن قيل: الفاء تدل على أنّ عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم مع أنّ الأمر على العكس؟ أجيب: بأنّ إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان وقوله تعالى:
﴿وله ما سكن﴾ أي: حل ﴿في الليل والنهار﴾ عطف على لله أي: له كل شيء من حيوان وغيره لأنه خالقه ومالكه وقيل له: ما سكن فيهما أو تحرّك واكتفى بأحد الضدّين عن الآخر ﴿وهو السميع﴾ أي: لكل ما يقال ﴿العليم﴾ أي: بكل ما يفعل فلا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.
ونزل لما دعي رسول الله ﷺ إلى دين آبائه:
(١٥/١٥٩)