فإن قيل: قد يستدل بهذا على أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء لأنّ معنى الكلام لا أدعي منزلة أقوى من منزلتي ولولا أنّ الملائكة أفضل لم يصح ذلك؟ أجيب: بأنه ﷺ إنما قال ذلك تواضعاً لله تعالى واعترافاً بالعبودية حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النصارى في المسيح وبأنّ المراد بما قاله نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة وذلك لا يدل على أنهم أفضل من الأنبياء ﴿إن أتبع إلا ما يوحى إليّ﴾ تبرأ ﷺ من دعوى الألوهية والملكية وادّعى النبوّة مع الرسالة التي هي أعلى كمالات البشر ردّاً لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدّعاه وظاهر هذه الآية يدل على أنه ﷺ ما كان يجتهد في شيء من الأحكام بل جميع أوامر الله ونواهيه إنما كانت بوحي ولكن المرجح أنه يجتهد ﴿قل﴾ لهم ﴿هل يستوي الأعمى والبصير﴾ أي: هل يكونون سواء من غير مزية فإن قالوا: نعم كابروا الحس، وإن قالوا: لا، قيل: فمن تبع هذه الآيات الجليات فهو البصير ومن أعرض فهو الأعمى. وقيل: المراد بالأوّل الكافر وبالثاني المؤمن، وقيل: الضال والمهتدي، وقيل: الجاهل والعالم ﴿أفلا تتفكرون﴾ في أنهما لا يستويان فتؤمنوا.
﴿وأنذر﴾ أي: خوّف إذ الإنذار إعلام مع تخويف ﴿به﴾ أي: القرآن وقوله تعالى: ﴿الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم﴾ إمّا قوم داخلون في الإسلام ومقرّون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل وأمّا أهل الكتاب لأنهم مقرّون بالبعث وإمّا ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقاً فيهلكوا فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الإنذار دون المتمرّدين منهم وقوله تعالى: ﴿ليس لهم من دونه﴾ أي: غير الله تعالى ﴿وليّ﴾ أي: ينصرهم ﴿ولا شفيع﴾ أي: يشفع لهم حال من ضمير يحشرون بمعنى يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعاً لهم ولا بدّ من هذه الحال لأنّ كلاً منهم محشور فإنّ المخوّف هو الحشر على هذه الحالة. ،


الصفحة التالية
Icon