﴿وكذلك فتنا﴾ أي: ابتلينا ﴿بعضهم ببعض﴾ أي: الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدّمناه بالسبق للإيمان ﴿ليقولوا﴾ أي: الشرفاء والأغنياء ﴿أهؤلاء﴾ الفقراء ﴿منّ الله عليهم من بيننا﴾ بالهداية أي: لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء قال الله تعالى: ﴿أليس الله بأعلم بالشاكرين﴾ أي: بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقه وبمن لا يقع منه فيخذله.
(١٥/١٨٦)
﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا﴾ وقوله تعالى: ﴿فقل﴾ لهم ﴿سلام عليكم﴾ إمّا أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله تعالى إليهم وإمّا أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم ﴿كتب﴾ أي: قضى ﴿ربكم على نفسه الرحمة﴾.
روي أنها نزلت في الذين نهى رسول الله ﷺ عن طردهم فوصفهم الله تعالى بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمته وفضله بعد النهي عن طردهم إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد ويعز ولا يذل ويبشر من الله تعالى بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة، وقال عطاء: نزلت في الخلفاء الأربع وجماعة من الصحابة، وقيل: الآية على إطلاقها في كل مؤمن، وقيل: لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدّمت وقال: ما أردت إلا الخير فنزلت، وقيل: إنّ قوماً جاؤوا إلى النبيّ ﷺ فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يردّ عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت ﴿إنه من عمل منكم سوأ﴾ أيّ سوء كان ملتبساً ﴿بجهالة﴾ أي: عمله وهو جاهل وفيه معنيان: أحدهما: إنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه والجهل لأنّ من أهل الحكمة والتدبير ومنه قول الشاعر:


الصفحة التالية
Icon