فإن قيل: جميع هذه الأشياء داخلة تحت قوله تعالى: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو﴾ فلمَ أفرد هذه الأشياء بالذكر؟ أجيب: بأنه تعالى ذكرها أوّلاً مجملة ثم فصل بعضاً من ذلك الإجمال ليدل بها على غيرها وقوله تعالى: ﴿إلا في كتابه مبين﴾ فيه قولان: أحدهما: إنه علم الله الذي لا يغير ولا يبدل، والثاني: إنه اللوح المحفوظ لأنّ الله تعالى كتب فيه علم ما يكون وما قد كان قبل أن يخلق السموات والأرض فهو على الأوّل بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكل وعلى الثاني بدل الاشتمال.
(١٥/١٩١)
﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل﴾ أي: يقبض أرواحكم عند النوم ﴿ويعلم ما جرحتم﴾ أي: كسبتم ﴿بالنهار ثم يبعثكم﴾ أي: يوقظكم بردّ أرواحكم ﴿فيه﴾ أي: النهار.
(١٥/١٩٢)
فإن قيل: لِمَ خص الليل بالنوم والنهار بالكسب مع أنّ ذلك يقع في غير هذا؟ أجيب: بأنّ ذلك جرى على الغالب ﴿ليقضي أجل مسمى﴾ أي: ليبلغ المستيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا ﴿ثم إليه مرجعكم﴾ بالموت والبعث ﴿ثم ينبئكم بما كنتم تعملون﴾ فيجازيكم به.
﴿وهو القاهر﴾ مستعلياً ﴿فوق عباده﴾ لأنّ من قهر شيئاً وغلبه فهو مستعل عليه أمّا قهره للمعدوم فبالتكوين والإيجاد وأمّا قهره للموجود فبالإفناء والإفساد بنقل الممكن من العدم إلى الوجود تارة ومن الوجود إلى العدم أخرى ويقهر النور بالظلمة والظلمة بالنور والنهار بالليل والليل بالنهار إلى غير ذلك من ضروب الكائنات وصنوف الممكنات ﴿ويرسل عليكم﴾ من ملائكته ﴿حفظة﴾ أي: تحفظ أعمالكم وهم الكرام الكاتبون، وعن أبي حاتم السختياني أنه كان يكتب عن الأصمعي كل شيء تلفظ به من فوائد العلم حتى قال فيه: أنت شبيه الحفظة تكتب لفظ اللفظة فقال أبو حاتم: وهذا أيضاً مما يكتب.


الصفحة التالية
Icon