﴿ذلكم﴾ إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصفات وهو مبتدأ وقوله تعالى: ﴿الله ربكم لا إله إلا هو خالق كلّ شيء﴾ أخبار مترادفة ويجوز أن يكون البعض في غير الله تعالى بدلاً أو صفة لأنّ الله تعالى أوّل وليس بصفة والبعض خبراً وقوله تعالى: ﴿فاعبدوه﴾ مسبب عن مضمون ذلك فإنّ من استجمع هذه الصفات استحق العبادة ﴿وهو على كل شيء وكيل﴾ أي: وهو مع تلك الصفات مالك لكل شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال فيجازي عليها ﴿لا تدركه الأبصار﴾ جمع بصر وهي حاسة النظر وقد يقال للعين من حيث إنها محلها والإدراك إحاطة بكنه الشيء وحقيقته وتمسك بظاهر هذه الآية قوم من أهل البدع وهم الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وقالوا: إنّ الله تبارك وتعالى لا يراه أحد من خلقه وإن رؤيته مستحيلة عقلاً لأنّ الله تعالى أخبر أنّ الأبصار لا تدركه وإدراك البصر عبارة عن الرؤية إذ لا فرق بين قولك أدركته ببصري ورأيته ببصري فثبت بذلك أنّ لا تدركه الأبصار بمعنى لا تراه الأبصار وهذا يفيد العموم ومذهب أهل السنة إن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة واستدلوا لمذهبهم بأشياء من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من السلف فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ (القيامة ٢٢، ٢٣)
ففي هذه الآية دليل على أنّ المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وقال تعالى: ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾ (المطفقين، ١٥)
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: حجب قوماً بالمعصية وهي الكفر فثبت أنّ قوماً يرونه بالطاعة وهي الإيمان، وقال مالك رضي الله تعالى عنه: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الله تعالى الكفار بالحجاب وقال تعالى: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ (يونس، ٢٦)
(١٥/٢٣٤)


الصفحة التالية
Icon