ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله ﷺ عن شرح الصدر فقال: «نور يقذفه الله في قلب المؤمن ينشرح له قلبه وينفسخ» قيل: فهو لذلك أمارة، قال: «نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقي الموت» ﴿ومن يرد﴾ أي: الله ﴿أن يضله يجعل صدره ضيقاً﴾ أي: عن قبول الإيمان حتى لا يدخله، وقرأ ابن كثير بسكون الياء، والباقون بتشديدها مع الكسر، وقوله تعالى: ﴿حرجاً﴾ قرأه نافع وأبو بكر بكسر الراء أي: شديد الضيق، والباقون بالفتح وصفاً للمصدر، وفي الآية دليل على أنّ جميع الأشياء بمشيئة الله وإرادته حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر ﴿كأنما يصعد في السماء﴾ أي: يشق عليه الإيمان كما يشق عليه صعود السماء شبه مبالغته في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، وقرأ ابن كثير بسكون الصاد وتخفيف العين من غير ألف بعد الصاد، وقرأ شعبة بتشديد الصاد وتخفيف العين وألف بعد الصاد بمعنى يتصاعد ﴿كذلك﴾ أي: مثل ما جعل الله الرجس على من أراد ضلاله من أهل هذا الزمان ﴿يجعل الله الرجس﴾ أي: العذاب أو الشيطان أي: يسلطه ﴿على الذين لا يؤمنون﴾ وقال الزجاج: الرجس في الدنيا اللعنة وفي الآخرة العذاب.
﴿وهذا﴾ أي: الدين الذي أنت عليه يا محمد ﴿صراط﴾ أي: طريق ﴿ربك مستقيماً﴾ لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكدة للجملة والعامل فيها معنى الإشارة ﴿قد فصلنا﴾ أي: بينا ﴿الآيات لقوم يذكرون﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي: يتعظون فيعلمون أن القادر على كل شيء هو الله عز وجل وأن كل ما يحدث من خير أو شرّ فهو بقضائه وقدره وخلقه وإنه تعالى عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون.
﴿لهم﴾ أي: المتذكرين ﴿دار السلام﴾ هي الجنة وأضافها لنفسه في قول جميع المفسرين فإنّ السلام كما قال الحسن هو الله تعالى تشريفاً لهم أو ﴿تحيتهم فيها سلام﴾ (يونس، ١٠)
(١٥/٢٥٣)


الصفحة التالية
Icon