ولما ذكر الله تعالى ما أنعم به على عباده من خلق هذه الجنات المحتوية على أنواع الثمار ذكر ما هو المقصود الأصلي وهو الانتفاع بها فقال تعالى: ﴿كلوا من ثمره﴾ أي: كل واحد من ذلك ﴿إذا أثمر﴾ أي: ولو قبل نضجه وهذا أمر إباحة وأما قوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ فالأمر فيه للوجوب والآية مدنية والحق هو الزكاة المفروضة والأمر بإتيانها يوم الحصاد ليهتم به حينئذٍ حتى لا يؤخره عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء وليعلم أن الوجوب بالإدراك لا بالتنقيه، وقيل: الآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة فالحق ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد وكان ذلك واجباً حتى نسخه افتراض العشر ونصف العشر، وقرأ حمزة والكسائي برفع الثاء والميم من ثمره والباقون بنصبهما، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح حاء حصاده والباقون بكسرها ومعناهما واحد ﴿ولا تسرفوا﴾ أي: بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء.
روي أنّ ثابت بن قيس صرم خمسمائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئاً فنزلت ﴿إنه لا يحب المسرفين﴾ أي: المتجاوزين ما حدّ لهم، وفي ذلك وعيد وزجر عن الإسراف في كل شيء، قال مجاهد: الإسراف ما قصرت به عن حق الله تعالى وقالوا: لو كان أبو قبيس ذهباً لرجل أنفقه في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً واحداً أو مداً في معصية كان مسرفاً وقوله تعالى:
(١٥/٢٦٤)