حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل ومصداقه قوله عز وجل
! ٢ < ليبلوكم أيكم أحسن عملا > ٢ ! هود ٧ الملك ٢ وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الإختيار
فإن قلت كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون فكذلك خلق الذين من قبلهم لذلك فلم قصره عليهم دون من قبلهم قلت لم يقصره عليهم ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادتهم جميعا
فإن قلت فهلا قيل تعبدون لأجل اعبدوا او اتقوا لمكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم
قلت ليست التقوى غير العبادة حتى يؤدي ذلك الى تنافر النظم
وإنما التقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده
فإذا قال
! ٢ < اعبدوا ربكم الذي خلقكم > ٢ !
للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة وأشد الزاما لها وأثبت لها في النفوس ونحوه أن تقول لعبدك احمل خريطة الكتب فما ملكتك يميني الا لجر الأثقال
ولو قلت لحمل خرائط الكتب لم يقع من نفسه ذلك الموقع
الذى جعل لكم الارض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون
< < البقرة :( ٢٢ ) الذي جعل لكم..... > > قدم سبحانه من موجبات عبادته وملزمات حق الشكر له خلقهم أحياء قادرين أولا لأنه سابقة أصول النعم ومقدمتها والسبب في التمكن من العبادة والشكر وغيرهما ثم خلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرهم الذي لا بد لهم منه وهي بمنزلة عرصة المسكن ومتقلبه ومفترشه ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار ثم ما سواه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها
والإخراج به من بطنها أشباه النسل المنتج من الحيوان من الوان الثمار رزقا لبني آدم ليكون لهم ذلك معتبرا ومتسلقا الى النظر الموصل الى التوحيد والاعتراف ونعمة يتعرفونها فيقابلونها بلازم الشكر ويتفكرون في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وتحتهم وان شيئا من هذه المخلوقات كلها لا يقدر على ايجاد شيء منها فيتيقنوا عند ذلك ان لا بد لها من خالق ليس كمثلها حتى لا يجعلوا المخلوقات له اندادا وهم

__________


الصفحة التالية
Icon