من فوقه قلت من حيث ان علم المعاني لا يقتضي غير ذلك
وذلك ان الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية فوجب ان يقال لهم لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجة كانه قيل لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة
ومثاله قول القائل
( وما مثله ممن يجاود حاتم % ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره )
لا شبهة في انه قصد بالبحر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله
! ٢ < ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى > ٢ ! البقرة ١٢٠ حتى يعترف بالفرق البين وقرأ علي رضي الله عنه ( عبيدا لله ) على التصغير
وروي
٣٢٨ ان وفد نجران قالوا لرسول الله ﷺ لم تعيب صاحبنا قال ( ومن صاحبكم ) قالوا عيسى قال ( وأي شيء اقول ) قالوا تقول إنه عبد الله ورسوله قال ( إنه ليس بعار ان يكون عبدا لله ) قالوا بلى
(١) فنزلت اي لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأن العار ألصق به
فإن قلت علام عطف قوله
! ٢ < ولا الملائكة > ٢ !
قلت لا يخلو إما أن يعطف على المسيح او على اسم ( يكون ) او على المستتر في ( عبدا ) لما فيه من معنى الوصف لدلالته على معنى العبادة كقولك مررت برجل عبد أبوه فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره الى ما فيه بعض انحراف عن الغرض وهو ان المسيح لا يأنف ان يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية او ان يعبد الله هو ومن فوقه فإن قلت قد جعلت الملائكة وهم جماعة عبدا لله في هذا العطف فما وجهه قلت فيه وجهان احدهما ان يراد ولا كل واحد من الملائكة او ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله فحذف ذلك لدلالة ( عبد الله ) عليه ايجازا واما اذا عطفتهم على الضمير في ( عبدا ) فقد طاح هذا السؤال
قرىء ( فسيحشرهم ) بضم الشين وكسرها وبالنون
النساء ١٧٣ - ١٧٥ < < النساء :( ١٧٣ ) فأما الذين آمنوا..... > >

__________
١- لا أصل له


الصفحة التالية
Icon