﴿ قَوْمِهِ ﴾ أو إلى ﴿ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ ﴾. فإن قلت : هل لاختلاف المرجعين أثر في اختلاف المعنى ؟ قلت : نعم وذلك أن الراجع إذا رجع إلى قومه فقد جعل ﴿ مَنْ ءامَنَ ﴾ مفسراً لمن استضعف منهم، فدل أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين، وإذا رجع إلى الذين استضعفوا لم يكن الاستضعاف مقصوراً عليهم، ودلّ أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين :﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ ﴾ شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية، كما تقول للمجسمة : أتعلمون أن الله فوق العرش. فإن قلت : كيف صحّ قولهم :﴿ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ جواباً عنه ؟ قلت : سألوهم عن العلم بإرساله، فجعلوا إرساله أمراً معلوماً مكشوفاً مسلماً لا يدخله ريب، كأنهم قالوا : العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به، فنخبركم أنا به مؤمنون، ولذلك كان جواب الكفرة :﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِى ﴾ فوضعوا ﴿ بِهِ ءآلنَ ﴾ موضع ﴿ أُرْسِلَ بِهِ ﴾ رداً لما جعله المؤمنون معلوماً وأخذوه مسلماً ﴿ فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ ﴾ أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلاّ بعضهم، وقد يقال للقبيلة الضحمة : أنتم فعلتم كذا، وما فعله إلاّ واحداً منهم ﴿ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ ﴾ وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين، وأمر ربهم : ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله :﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ ﴾ ( الأعراف : ٧٣ ) أو شأن ربهم وهو دينه. ويجوز أن يكون المعنى : وصدر عتوّهم عن أمر ربهم، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم. ونحو عن هذه ما في قوله :﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ﴾ ( الكهف : ٨٢ )، ﴿ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ﴾ أرادوا من العذاب. وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوماً. واستعجالهم له لتكذيبهم به، ولذلك علقوه بما هم به كافرون، وهو كونه من المرسلين ﴿ الرَّجْفَةُ ﴾ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها ﴿ فِي دَارِهِمْ ﴾ في بلادهم أو في مساكنهم ﴿ جَاثِمِينَ ﴾