بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف فقطعوها قطاعاً، ثم أخذوها بنقصان ظاهر أو أعطوه بدلها زيوفاً ﴿ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ بعد الإصلاح فيها، أي لا تفسدوا فيها بعدما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم. وإضافته كإضافة قوله :﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ ( سبأ : ٣٣ ) بمعنى بل مكركم في الليل والنهار، أو بعد إصلاح أهلها على المضاف ﴿ ذالِكُمْ ﴾ إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه. ومعنى :﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ يعني في الإنسانية وحسن الأحدوثة، وما تطلبونه من التكسب والتربح، لأن الناس أرغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والسوية ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ إن كنتم مصدقين لي في قولي ذلكم خير لكم ﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِراطٍ ﴾ ولا تقتدوا بالشيطان في قوله :﴿ لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ ( الأعراف : ١٦ ) فتقعدوا بكل صراط أي بكل منهاج من مناهج الدين. والدليل على أن المراد بالصراط سبيل الحق قوله :﴿ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ومحل ﴿ تُوعَدُونَ ﴾ وما عطف عليه : النصب على الحال أي : ولا تقعدوا موعدين وصادّين عن سبيل الله، وباغيها عوجاً. فإن قلت : صراط الحق واحد، ﴿ وَأَنَّ هَاذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ ( الأنعام : ١٥٣ ) فكيف قيل : بكل صراط ؟ قلت : صراط الحق واحد، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحداً يشرع في شيء منها أوعدوه وصدّوه. فإن قلت ؛ إلام يرجع الضمير في ﴿ بِهِ وَتَبْغُونَهَا ﴾ ؟ قلت : إلى كل صراط. تقديره : توعدون من آمن به وتصدّون عنه، فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير، زيادة في تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدّون عنه. وقيل : كانوا يجلسون على الطرق والمراصد فيقولون لمن مر بهم إنَّ شعيباً كذاب فلا يفتنكم عن دينكم كما كان يفعل قريش بمكة. وقيل : كانوا يقطعون الطرق. وقيل : كانوا عَشَّارين ﴿ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ وتطلبون لسبيل الله عوجاً، أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة، لتصدّوهم عن سلوكها والدخول فيها : أو يكون تهكماً بهم، وأنهم يطلبون لها ما هو محال، لأن طريق الحق لا يعوج ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً ﴾ إذ مفعول به غير ظرف. أي : واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم ﴿ فَكَثَّرَكُمْ ﴾ الله ووفر عددكم. قيل : إن مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا وفشوا. ويجوز إذ كنتم مقلين فقراء فكثركم : فجعلكم مكثرين موسرين. أو كنتم أقلة أذلة فأعزكم بكثرة العدد والعدد ﴿ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط، وكانوا قريبي العهد مما إصاب المؤتفكة ﴿ فَاصْبِرُواْ ﴾ فتربصوا وانتظروا ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ﴾ أي بين الفريقين، بأن ينصر

__________


الصفحة التالية
Icon