فجعلوهم عائدين جميعاً، إجراءً للكلام على حكم التغليب. وعلى ذلك أجرى شعيب عليه السلام جوابه فقال :﴿ إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ﴾ وهو يريد عود قومه، إلاّ أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب. فإن قلت : فما معنى قوله ﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ والله تعالى متعال أن يشاء ردّة المؤمنين وعودهم في الكفر ؟ قلت : معناه إلاّ أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الألطاف، لعلمه أنها لا تنفع فينا وتكون عبثاً. والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله :﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا ﴾ أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل، وقلوبهم كيف تتقلب ؛ وكيف تقسو بعد الرقة، وتمرض بعد الصحة، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان. ويجوز أن يكون قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ حسماً لطمعهم في العود، لأن مشيئة الله لعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة ﴿ أَوْ * لَوْ كُنَّا * كَارِهِينَ ﴾ الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال، تقديره : أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين. وما يكون لنا، وما ينبغي لنا. وما يصحّ لنا ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا ﴾ احكم بيننا. والفتاحة ؛ الحكومة، أو أظهر أمرنا حتى يتفتح ما بيننا ﴿ وَبَيْنَ قَوْمِنَا ﴾ وينكشف بأن تنزل عليهم عذاباً يتبين معه أنهم على الباطل ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ كقوله :﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ ( الأعراف ٨٧ ).