أرني نفسك أنظر إليك، فإن قلت : الرؤوية عين النظر، فكيف قيل : أرني أنظر إليك ؟ قلت : معنى أرني نفسك، اجعلني متمكناً من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك، فإن قلت : فكيف قال :﴿ لَن تَرَانِى ﴾ ولم يقل : لن تنظر إليّ لقوله :﴿ أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ ؟ قلت : لما قال :﴿ أَرِنِى ﴾ بمعنى اجعلني متمكناً من الرؤية التي هي الإدراك، علم أن الطِّلْبَة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه، فقيل : لن تراني، ولم يقل لن تنظر إليّ. فإن قلت : كيف طلب موسى عليه السلام ذلك وهو من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز، وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس، وذلك إنما يصحّ فيما كان في جهة. وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة. ومنعُ المجبرة إحالته في العقول غير لازم، لأنه ليس بأوّل مكابرتهم وارتكابهم، وكيف يكون طالبه وقد قال حين أخذت الرجفة الذين قالوا أرنا الله جهرة ﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا ﴾ ( الأعراف : ١٥٥ ) إلى قوله :﴿ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء ﴾ ( الأعراف : ١٥٥ ) فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالاً ؟ قلت : ما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالاً، وتبرأ من فعلهم، وليلقمهم الحجر، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق، فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا : لا بدَّ، ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك، وهو قوله :﴿ لَن تَرَانِى ﴾ ليتيقنوا وينزاح