( لا ) تنفي المستقبل. تقول : لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت : لن أفعل غداً. والمعنى : أنّ فعله ينافي حالي، كقوله :﴿ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ ﴾ ( الحج : ٧٣ ) فقوله :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَارُ ﴾ ( الأنعام : ١٠٣ ) نفي للرؤية فيما يستقبل. و ﴿ لَن تَرَانِى ﴾ تأكيد وبيان، لأنّ المنفي مناف لصفاته. فإن قلت : كيف اتصل الاستدراك في قوله :﴿ وَلَاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ بما قبله ؟ قلت : اتصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر : وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم، كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية ؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من علم أثره، كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله :﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً ﴾ ( مريم : ٩١ ). ﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ﴾ كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهاته ﴿ فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾ تعليق لوجود الرؤية موجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدركه دكاً ويسويه بالأرض، وهذا كلام مدمج بعضه في بعض، وارد على أسلوب عجيب ونمط بديع. ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك ؟ ثم كيف بنى الوعيد بالرجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية ؟ أعني قوله :﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾. ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ فلما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته ﴿ جَعَلَهُ دَكّا ﴾ أي مدكوكاً مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير. والدكّ