فالعير أحب إليكم أم النفير ؟ قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدوّ، فتغير وجه رسول الله ﷺ : ثم ردّد عليهم فقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدوّ، فقام عند غضب النبي ﷺ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال : انظر أمرك فامض. فوالله لو سرت إلى عدن أبين. ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال المقداد بن عمرو يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فإنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن : إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، ما دامت عين منا تطرف، فضحك رسول الله ﷺ ثم قال : أشيروا عليّ أيها الناس وهو يريد الأنصار، لأنهم قالوا له حين بايعوه على العقبة : إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع منه آباءنا ونساءنا، فكان النبي ﷺ يتخوّف أن لا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا على عدوّ دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال : لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل، قال : قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّبه عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله ﷺ وبسطه قول سعد، ثم قال : سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنّ الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم. وروي :
( ٤١٣ ) أنه قيل لرسول الله ﷺ حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو في وثاقه : لا يصلح فقال له النبي ﷺ : لم ؟ قال : لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين. وقد أعطاك ما وعدك، وكانت الكراهة من بعضهم لقوله :{ وَإِنَّ فَرِيقاً مّن