أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا، فأنزل الله عز وجل المطر، فمطروا ليلاً حتى جرى الوادي واتخذ رسول الله ﷺ وأصحابه الحياض على عدوة الوادي، وسقوا الركاب، واغتسلوا وتوضؤوا، وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام، وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس. والضمير في ﴿ بِهِ ﴾ للماء. ويجوز أن يكون للربط، لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال.
! ٧ < ﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ > ٧ { < الأنفال :( ١٢ ) إذ يوحي ربك..... > >
﴿إِذْ يُوحِى ﴾ يجوز أن يكون بدلاً ثالثاً من ﴿ إِذْ * يَعِدُكُمُ ﴾ ( الأنفال : ٧ ) وأن ينتصب بيثبت ﴿ إِنّى مَعَكُمْ ﴾ مفعول يوحي وقرىء ( إني ) بالكسر على إرادة القول، أو على إجراء يوحي مجرى يقول، كقوله :﴿ أَنّي مُمِدُّكُمْ ﴾ ( الأنفال : ٩ ) والمعنى : أني معينكم على التثبيت فثبتوهم. وقوله :﴿ سَأُلْقِى فَاضْرِبُواْ ﴾ يجوز أن يكون تفسيراً لقوله :﴿ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ ﴾ ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم. واجتماعهما غاية النصرة. ويجوز أن يكون غير تفسير، وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدّون بالملائكة. وقيل : كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول : إني سمعت المشركين يقولون : والله لئن حملوا علينا لننكشفنّ، ويمشي بين الصفين فيقول : أبشروا، فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه. وهؤلاء لا يعبدونه. وقرىء ( الرعب ) بالتثقيل ﴿ فَوْقَ الاعْنَاقِ ﴾ أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح، لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس. وقيل : أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق، يعني ضرب الهام. قال :
وَأضْرِبُ هَامَة الْبَطَلِ الْمُشِيحِ % ( غَشَّيْتُهُ وَهْوَ فِي جَأْوَاءَ بَاسِلَة % عَضْباً أَصَابَ سَوَاءَ الرَّأْسِ فَانْفَلَقَا ) %