قال : ألفاً ﴿ وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ ﴾ حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور. فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم ؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء، ثم كثرهم فيها بعده ليجترؤا عليهم، قلة مبالاة بهم، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا، وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم، وذلك قوله :﴿ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ ﴾ ( آل عمران : ١٣ ) ولئلا يستعدوا لهم، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أوّلاً وكثرتهم آخراً. فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلاً ؟ قلت بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين. قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الوحد اثنين، وكان بين يديه ديك واحد فقال : مالي لا أرى هذين الديكين أربعة ؟.
! ٧ < ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ > ٧ { < الأنفال :( ٤٥ - ٤٦ ) يا أيها الذين..... > >
﴿ وَإِذَا * لَقِيتُمْ فِئَةً ﴾ إذا حاربتم جماعة من الكفار، وترك أن يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار. واللقاء اسم للقتال غالب ﴿ فَاثْبُتُواْ ﴾ لقتالهم ولا تفرّوا ﴿ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ في مواطن الحرب مستظهرين بذكره، مستنصرين به، داعين له على عدوكم : اللهم اخذلهم، اللهم اقطع دابرهم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه إشعار بأنّ على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً وأكثر ما يكون هما، وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره. وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أيام صفين وفي مشاهده مع البغاة والخوارج من البلاغة والبيان ولطائف المعاني، وبليغات المواعظ والنصائح دليلاً على أنهم كانوا لا