عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة، وبقي رسول الله ﷺ وحده وهو ثابت في مركزه لا يتحلحل، ليس معه إلاّ عمه العباس رضي الله تعالى عنه آخذ بلجام دابته وأبو سفيان بن الحرث ابن عمه، وناهيك بهذه الوحدة شهادة صدق على تناهي شجاعته ورباطة جأشه ﷺ، وما هي إلاّ من آيات النبوة وقال :
( ٤٥٤ ) يا ربي ائتني بما وعدتني. وقال ﷺ للعباس وكان صيتاً : صيح بالناس، فنادى الأنصار فخذاً فخذاً، ثم نادى : يا أصحاب الشجرة، با أصحاب البقرة، فكرّوا عنقاً واحداً وهم يقولون : لبيك لبيك، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فنظر رسول الله ﷺ إلى قتال المسلمين فقال : هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ كفاً من تراب فرماهم به ثم قال : انهزموا ورب الكعبة فانهزموا، قال العباس : لكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يركض. خلفهم على بغلته ﴿ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ ما مصدرية، والباء بمعنى مع، أي مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها، على أن الجارّ والمجرور في موضع الحال، كقولك : دخلت عليه بثياب السفر، أي ملتبساً بها لم أحلها، تعني مع ثياب السفر. والمعنى : لا تجدون موضعاً تستصلحونه لهربكم إليه ونجاتكم لفرط الرعب، فكأنها ضاقت عليكم ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ ثم انهزمتم ﴿ سَكِينَتَهُ ﴾ رحمته التي سكنوا بها وآمنوا ﴿ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الذين انهزموا. وقيل : هم الذين ثبتوا مع رسول الله ﷺ حين وقع الهرب ﴿ وَأَنزَلَ جُنُوداً ﴾ يعني الملائكة، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل : خمسة آلاف، وقيل : ستة عشر ألفاً ﴿ وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بالقتل والأسر، وسبي النساء والذراري ﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ ﴾ أي يسلم بعد ذلك ناس منهم. وروي :
( ٤٥٥ ) أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام وقالوا : يا رسول الله، أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. قيل : سبي يومئذ ستة آلاف نفس، وأخذ من الأبل والغنم ما لا يحصى، فقال : إنّ عندي ما تروون، إنّ خير القول أصدقه، اختاروا : إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم. قالوا : ما كنا نعدل

__________


الصفحة التالية
Icon