( ٤٨٠ ) وقال له المشركون يوم الحديبية : إنا لا نأذن لمحمد ولكنا نأذن لك، فقال : لا، إن لي في رسول الله ﷺ أسوة حسنة فشكر رسول الله ﷺ له ذلك، وإجابة له إلى مسئلته إياه، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يردّ سائلاً، وكان يتوفر على دواعي المروءة ويعمل بعادات الكرام، وإكراماً لابنه الرجل الصالح، فقد روي : أنه قال له :
( ٤٨١ ) أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك، وأن تقوم على قبره، ولا يشمت به الأعداء، وعلماً بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره، فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان، وليكون إلباسه إياه لطفاً لغيره، فقد روى أنه قيل له :
( ٤٨٢ ) لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر ؟ فقال : إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئاً، وإني أؤمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب ) فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله ﷺ وكذلك ترحمه واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف، لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك، دعا المسلم إلى أن يتعطف على من واطأ قلبه لسانه ورآه حتماً عليه. فإن قلت : فكيف جازت الصلاة عليه ؟ قلت : لم يتقدم نهي عن الصلاة عليهم، وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم، لما في ذلك من المصلحة. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما أدري ما هذه الصلاة، إلاّ أني أعلم أنّ رسول الله ﷺ لا يخادع ﴿ مَّاتَ ﴾ صفة لأحد. وإنما قيل : مات، وماتوا بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال على تقدير الكون والوجود ؛ لأنه كائن موجود لا محالة ﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ ﴾ تعليل المنهي، وقد أعيد قوله :﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ ﴾ لأنّ تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال