الفلك غاية التسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد ( حتى ) بما في حيّزها، كأنه قيل : يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظنّ للهلاك والدعاء بالإنجاء. فإن قلت : ما جواب ( إذا ) ؟ قلت : جاءتها. فإن قلت : فدعوا ؟ قلت : بدل من ظنوا ؛ لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به. فإن قلت : ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة ؟ قلت : المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح. فإن قلت : ما وجه قراءة أمّ الدرداء :( في الفلكي ) بزيادة ياء النسب ؟ قلت : قيل هما زائدتان كما في الخارجي والأحمري. ويجوز أن يراد به اللجّ والماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلاّ فيه.
والضمير في ﴿ * جرين ﴾ للفلك، لأنه جمع فلك كالأسد، في فعل أخي فعل. وفي قراءة أمّ الدرداء :( للفلك ) أيضاً ؛ لأنّ الفلكي يدلّ عليه ﴿ بِهَا جَاءتْهَا ﴾ جاءت الريح الطيبة، أي تلقتها. وقيل : الضمير للفلك ﴿ فِى كُلّ * مَّكَانَ ﴾ من جميع أمكنة الموج ﴿ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ أي أهلكواجعل إحاطة العدوّ بالحي مثلاً في الهلاك ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ﴾ من غير إشراك به ؛ لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه ﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا ﴾ على إرادة القول. أو لأنّ ﴿ دَعَوُاْ ﴾ من جملة القول :﴿ يَبْغُونَ فِى الاْرْضِ ﴾ يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك، ممعنين فيه، من قولك : بغي الجرح إذا ترامى إلى الفساد. فإن قلت : فما معنى قوله :﴿ بِغَيْرِ الْحَقّ ﴾ والبغي لا يكون بحق ؟ قلت : بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله ﷺ ببني قريظة. قرىء :( متاع الحياة الدنيا )، بالنصب : فإن قلت : ما الفرق بين القراءتين ؟ قلت : إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو ﴿ بَغْيُكُمْ ﴾ و ﴿ عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ صلته، كقوله :﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ ﴾ ومعناه : إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بعني بعضكم على بعض منفعه الحياة الدنيا لإبقاء لها وإذا نصبت ﴿ فَعَلَىَّ * أَنفُسَكُمْ ﴾ خبر غير صلة معناه إنما بغيكم بال على أنفسكم، و ﴿ وَمَتَاعٌ * قَالُواْ لَن ﴾ في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل : تتمتعون متاع الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون الرفع على : هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام. وعن البني ﷺ أنه قال :
( ٥٠٧ ) ( لا تمكر ولا تعن ماكراً، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً )