اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } جزاؤه ما دلّ عليه قوله :﴿ لاَ يَنفَعُكُمْ * نُصْحِى ﴾ وهذا الدال في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك : إن أحسنت إليّ أحسنت إليك إن أمكنني. فإن قلت : فما معنى قوله :﴿ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ ؟ قلت : إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمى ذلك إغواء وإضلالاً، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به : سمى إرشاداً وهداية. وقيل :﴿ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ أن يهلككم من غوى الفصيل غوي، إذا بشم فهلك، ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي ؟ ﴿ فَعَلَىَّ إِجْرَامِى ﴾ وإجرامي بلفظ المصدر والجمع. كقوله : والله يعلم إسرارهم وأسرارهم. ونحو : جرم وأجرام قفل وأقفال. وينصر الجمع أن فسره الأولون بآثامي والمعنى : إن صح وثبت أني افتريته، فعلى عقوبة إجرامي أي افترائي. وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني وتتألبوا عليّ ﴿ وَأَنَاْ بَرِىء ﴾ يعني ولم يثبت ذلك وأنا بريء منه. ومعنى ﴿ مّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.
! ٧ < ﴿ وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ٣٦ ) وأوحي إلى نوح..... > > ﴿لَن يُؤْمِنَ ﴾ إقناط من إيمانهم، وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع ﴿ وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ ﴾ إلا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه، وقد للتوقع وقد أصابت محزها ﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ فلا تحزن حزن بائس مستكين، قال :% ( مَا يَقْسِمُ اللَّهُ فَاقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِس % مِنْهُ وَاقْعُدْ كَرِيماً نَاعِمَ الْبَالِ ) %
والمعنى : فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك، فقد حان وقت الانتقام لك منهم ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ في موضع الحال، بمعنى : اصنعها محفوظاً، وحقيقته : ملتبساً بأعيننا، كأن لله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب، وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه. ووحينا : وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع. عن ابن عباس رضي الله عنه : لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ﴿ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ إنهم محكوم عليهم بالإغراق، وقد وجب ذلك وقضي به القضاء وجف القلم،

__________


الصفحة التالية
Icon