الماء قد التقى وطبق ما بين السماء والأرض، وكانت الفلك تجري في جوف الماء كما تسبح السمكة، فما معنى جريها في الموج ؟ قلت : كان ذلك قبل التطبيق، وقبل أن يغمر الطوفان الجبال. ألا ترى إلى قول ابنه : سآوى إلى جبل يعصمني من الماء. قيل : كان اسم ابنه : كنعان. وقيل : يام. وقرأ علي رضي الله عنه : ابنها، والضمير لامرأته. وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير : ابنه، بفتح الهاء، يريدان ابنها، فاكتفيا بالفتحة عن الألف، وبه ينصر مذهب الحسن. قال قتادة : سألته فقال : والله ما كان ابنه، فقلت : إن الله حكى عنه إن ابني من أهلي، وأنت تقول : لم يكن ابنه، وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه، فقال : ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب، واستدل بقوله :﴿ مّنْ أَهْلِى ﴾ ( هود : ٤٥ ) ولم يقل : مني، ولنسبته إلى أمّه وجهان، أحدهما : أن يكون ربيباً له، كعمر بن أبي سلمة لرسول الله ﷺ، وأن يكون لغير رشدة، وهذه غضاضة عصمت منها الأنبياء عليهم السلام. وقرأ السدي ( ونادى نوح ابناه ) على الندبة والترثي. أي : قال : يا ابناه. والمعزل : مفعل، من عزله عنه إذا نحاه وأبعده، يعني وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين. وقيل : كان في معزل عن دين أبيه ﴿ أَوْ بَنِى ﴾ قرىء بكسر الياء اقتصاراً عليه من ياء الإضافة، وبالفتح اقتصاراً عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك ( يا بنيا ) أو سقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين ؛ لأنّ الراء بعدهما ساكنة ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ﴾ إلا الراحم وهو الله تعالى، أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين، وكان لهم غفوراً رحيماً في قوله :﴿ إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ( هود : ٤١ ) وذلك أنه لما جعل الجبل عاصماً من الماء قال له : لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعني السفينة. وقيل لا عاصم، بمعنى : لاذا عصمة إلا من رحمه الله، كقوله :﴿ مَّاء دَافِقٍ ﴾ ( الطارق : ٦ ) و ﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ ( الحاقة : ٢١ ) وقيل :( إلا من رحم ) استثناء منقطع، كأنه قيل : ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، كقوله :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنّ ﴾ ( النساء : ١٥٧ ) وقرىء ( إلا من رُحِم ) على البناء للمفعول.