الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم، ولا يضيع عنده معتصم به ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ فإن تتولوا. فإن قلت : الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط قلت : معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ، وكنتم محجوجين بأنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ ﴾ كلام مستأنف، يريد : ويهلككم الله ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم ﴿ وَلاَ تَضُرُّونَهُ ﴾ بتوليكم ﴿ شَيْئاً ﴾ من ضرر قط، لأنه لا يجوز عليه المضارّ والمنافع، وإنما تضرون أنفسكم. وفي قراءة عبد الله ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ ﴾ بالجزم وكذلك : ولا تضروه، عطفاً على محل ﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ﴾ والمعنى : إن تتولوا يعذرني ويستخلف قوماً غيركم ولا تضروا إلا أنفسكم ﴿ عَلَى كُلّ شَىْء حَفِيظٌ ﴾ أي رقيب عليه مهيمن، فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم. أو من كان رقيباً على الأشياء كلها حافظاً لها وكانت مفتقرة إلى حفظه من المضارّ، لم يضر مثله مثلكم.
! ٧ < ﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ٥٨ ) ولما جاء أمرنا..... > > ﴿ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ ﴾ قيل : كانوا أربعة آلاف. فإن قلت : ما معنى تكرير التنجية ؟ قلت : ذكر أولا أنه حين أهلك عدوهم نجاهم ثم قال :﴿ وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ على معنى : وكانت تلك التنجية من عذاب غليظ، وذلك أنّ الله عز وجل بعث عليهم السموم فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضواً عضواً. وقيل : أراد بالثانية التنجية من عذاب الآخرة، ولا عذاب أغلظ منه وأشدّ. وقوله : برحمة منا، يريد : بسبب الإيمان الذي أنعمنا عليهم بالتوفيق له.
! ٧ < ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ > ٧ !
< < هود :( ٥٩ - ٦٠ ) وتلك عاد جحدوا..... > > ﴿ وتلك عَادٌ ﴾ إشارة إلى قبورهم وآثارهم، كأنه قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف وصف أحوالهم فقال :﴿ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ ﴾ لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله، ﴿ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ ﴾ ( البقرة : ٢٨٥ ) قيل لم يرسل إليهم إلا هود وحده ﴿ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يريد رؤساءهم وكبراءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل. ومعنى اتباع أمرهم : طاعتهم. ولما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله. و ﴿ أَلا ﴾ وتكرارها مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم، تهويل لأمرهم وتفظيع له، وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم. فإن قلت :﴿ بُعْدًا ﴾ دعاء بالهلاك، فما معنى الدعاء به عليهم بعد هلاكهم ؟ قلت : معناه الدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له : ألا ترى إلى قوله :