﴿ مَا نَفْقَهُ ﴾ ما نفهم ﴿ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ ﴾ لأنهم كانوا لا يلقون إليه أذهانهم رغبة عنه وكراهية له، كقوله :﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ ( الأنعام : ٢٥ ). أو كانوا يفقهونه ولكنهم لم يقبلوه، فكأنهم لم يفقهوه. وقالوا ذلك على وجه الاستهانة به، كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول أو جعلوا كلامه هذياناً وتخليطاً، لا ينفعهم كثير منه، وكيف لا ينفعهم كلامه وهو خطيب الأنبياء، وقيل : كان ألثغ ﴿ فِينَا ضَعِيفًا ﴾ لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروهاً. وعن الحسن ﴿ ضَعِيفاً ﴾ مهيناً. وقيل :﴿ ضَعِيفاً ﴾ أعمى. وحمير تسمى المكفوف : ضعيفاً، كما يسمى ضريراً، وليس بسديد ؛ لأنّ ﴿ فِينَا ﴾ يأباه. ألا ترى أنه لو قيل إنا لنراك فينا أعمى، لم يكن كلاماً ؛ لأن الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم، ولذلك قللوا قومه حيث جعلوهم رهطاً. والرهط : من الثلاثة إلى العشرة. وقيل : إلى السبعة. وإنما قالوا : ولولاهم، احتراماً لهم واعتداداً بهم ؛ لأنهم كانوا على ملتهم، لا خوفا من شوكتهم وعزتهم ﴿ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ لقتلناك شرّ قتلة ﴿ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ أي لا تعزّ علينا ولا تكرم، حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم. وإنما يعزّ علينا رهطك، لأنهم من أهل ديننا لم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا، وقد دلّ إيلاء ضميره حرف النفي على أنّ الكلام واقع في الفاعل لا في الفعل، كأنه قيل : وما أنت علينا بعزيز، بل رهطك هم الأعزة علينا، ولذلك قال في جوابهم :﴿ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ اللَّهِ ﴾ ولو قيل : وما عززت علينا، لم يصح هذا الجواب. فإن قلت : فالكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه، فكيف صح قوله :﴿ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ اللَّهِ ﴾ قلت : تهاونهم به وهو نبيّ الله تهاون بالله، فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله. ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ ( النساء : ٨٠ )، ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً ﴾ ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به، والظهريّ : منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب. ونظيره قولهم في النسبة إلى أمس : أمسي ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ قد أحاط بأعمالكم علماً، فلا يخفى عليه شيء منها ﴿ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ لا تخلو المكانة من أن تكون بمعنى المكان، يقال : مكان ومكانة، ومقام ومقامة. أو تكون مصدراً من مكن مكانة فهو مكين. والمعنى : اعملوا قارّين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لي. أو اعملوا متمكنين من عداوتي مطيقين لها ﴿ إِنّى عَامِلٌ ﴾ على حسب ما يؤتيني الله من النصرة والتأييد ويمكنني ﴿ مَن يَأْتِيهِ ﴾ يجوز أن تكون ﴿ مَن ﴾ استفهامية، معلقة لفعل العلم عن عمله فيها ؛