﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ وأعرض عنهم كراهة لما جاؤا به ﴿ * يا أسفى ﴾ أضاف الأسف وهو أشدّ الحزن والحسرة إلى نفسه، والألف بدل من ياء الإضافة، والتجانس بين لفظتي الأسف ويوسف مما يقع مطبوعاً غير متعمل فيملح ويبدع، ونحوه ﴿ سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاْرْضِ أَرَضِيتُم ﴾ ( التوبة : ٣٨ )، ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ ( الأنعام : ٢٦ ). ﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ ﴾ ( الكهف : ١٠٤ )، ﴿ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ ( النمل : ٢٢ ) وعن النبي ﷺ :
( ٥٥٤ ) ( لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد ﷺ. ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع. وإنما قال يا أسفى ).
فإن قلت : كيف تأسف على يوسف دون أخيه ودون الثالث، والرزء الأحدث أشدّ على النفس وأظهر أثراً ؟ قلت : هو دليل على تمادي أسفه على يوسف، وأنه لم يقع فائت عنده موقعه، وأنّ الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طريا. % ( وَلَمْ تُنْسِنِي أَوْفَى الْمُصِيبَاتِ بَعْدَهًُ ;
ولأنّ الرزء في يوسف كان قاعدة مصيباته التي ترتبت عليها الرزايا في ولده، فكان الأسف عليه أسفاً على من لحق به ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ﴾ إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر. قيل : قد عمي بصره. وقيل : كان يدرك إدراكاً ضعيفاً. قرىء :( من الحزن ) ومن الحزن، الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض، فكأنه حدث من الحزن. قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وعن رسول الله ﷺ :
( ٥٥٥ ) أنه سأل جبريل عليه السلام :( ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف ؟ قال :

__________


الصفحة التالية
Icon